|
|||||||||
> الصفحة الرئيسية - الحكمة - جبران خليل جبران |
|||||||||
بين النبي والشاعر والعالم
لم ينتج من أعمال جبران خليل جبران مذهب أدبي أو فني بشكل كامل، بحيث يمكننا أن نطلق عليه (الجبرانية) على نسق "الرومانسية"، أو "الرمزية"، وذلك لعدم وضوح معالم ذلك المذهب الجبراني، وعدم وجود حدود له يفصله عن غيره.. ولكن يمكننا أن نستشف من بعض أعماله مبادئ "جبرانية" واضحة الخطوط، مثلما نحن في صدد طرح مبدأ من هذه المبادئ، حيث يقول في عمله الذي يحمل عنوان "رمل وزبد" :"بين العالم والشاعر مرج أخضر، فإذا اجتازه العالم صار حكيما، وإذا اجتازه الشاعر صار نبياً". هنا يحدد لنا جبران الفرق بين النبي وبين الشاعر، فكلاهما قد ينطقا بالحكم والمواعظ، غير أن الشاعر يقول ما لا يفعل، على نسق الآية "الشعراء يقولون ما لا يفعلون.."، بينما النبي فهو ينطق بالحكم والمواعظ ويعمل بها ويختبرها بنفسه. ولهذا يقول في "رمل وزبد": " بين العالم والشاعر مرج أخضر، فإذا اجتازه العالم صار حكيما، وإذا اجتازه الشاعر صار نبيا". فالمرج الأخضر هو اختبار الحياة، الشاعر ذات المشاعر المرهفة يختبر الحياة ويطبق ما يلفظه من حكم ووعظ فيتعلم منها، ويصبح نبيا واعيا بما يقول. كذلك العالم الذي درس الحياة تنظيرا، لا يستفيد من علمه ويكسب الحكمة إلا بعدما يجتاز المرج الأخضر ويختبر الحياة عمليا. ومن هنا نصل إلى ما يريد جبران قوله في تلك العبارة، هو أن اختبار الحياة وعيشها، تصقل علم العالم، ومشاعر الشاعر، ليصبح كل منهما حكيما ونبيا. وفي جهة مقابلة، فاختبار الحياة تفتح ملكات خامدة في قلب العالم، وهي مشاعره، وفي روح الشاعر وهي صفوته.
* * *
أحمد الفرحان
| |||||||||
|