|
|||||||||
|
> الصفحة الرئيسية - الروح - مقالات أخرى |
|||||||||
|
التدين هو اتصال لا انفصال
يلح السؤال ويبحث عن إجابة: الله قريب منك، فهل أنت قريب منه؟ يتشابه هذا السؤال مع ما يتردد في المسيحية: أن تفتح بابك للمسيح، لأنه واقف عند بابك، ولا يستطيع الدخول إلا حينما تفتح أنت له باب بيتك، لأن مقبض الباب من الداخل وليس من الخارج. يلح السؤال ويبحث عن إجابة: الله قريب منك، فهل أنت قريب منه؟ قد يظن البعض أنه قريب من الله حينما يقف في الكنيسة أمام الصليب، أو حينما ينهمك في تأمل عميق، أو حينما يلتزم بالصلوات الخمسة.. هل الناسك المعتكف قريب من الله؟ هل الأخوية المنعزله في الدير قريبون من الله؟ لا أملك الاجابة، ولا أعرف الحقيقة، ولكني أعرف بأن الكافر هو المنفصل، وأن المؤمن هو المتصل.. ولكن كيف نعرف أننا متصلون أو منفصلون؟ ما هي اشارات الانفصال، وما هي بشارات الاتصال؟ لأن الشيطان أيضا يؤمن بأن الله هو الله الواحد الصمد ذو العزة المتين، ولكنه يشعر بالغرور -لأنه أفضل من آدم، لأن الشيطان خلق من نار بينما آدم خلق من طين- وبهذا الغرور خلق الشيطان لنفسه غطاء الكفر، حيث فصله عن الله بحجاب.. هذا الحجاب يسمى "كفر" التي تشتق منها الكلمة الانجليزية cover، أي حجاب.. الحجاب يعني الانفصال. يشعر المتدين في أحيانا كثيرة أنه أعلى من الآخرين، وهذا الشعور يشبه شعور الاستعلاء عند التاجر أو الحاكم فوق الخادم. وبهذا الغرور والاستعلاء ينفصل المتدين عن الدين، حتى لو كان يمارس الشعائر الدينية جميعها. فلا تنفعه شعائره الدينية إن لم يجد أثر الطهارة على قلبه، طهارة قلبه التي لا يصنف الناس حسب ألوانهم، أو جنسياتهم، او ثقافتهم أو أعمالهم. ((يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ))1 إذن هدف التدين أن تحصل على قلب سليم، لا أنا ولا أنانية فيه، لا علو ولا استكبار على أحد.. القلب السليم الذي يؤمن بأن البشرية عائلة واحدة كما كرر القرآن: ((ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر..))2 وأيضا: ((هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ))3، كما نتذكر المرأة التي حبست هرة فلا هي اطعمتها ولا سقتها، ذهبت إلى النار رغم أنها امرأة مؤمنة، بينما رجل ما ليس من المؤمنين، وجد كلب عطشان في الصحراء، فجعله يشرب الماء من حذائه، ثم دخل الجنة.. إن الله يحاسب البشر على صفاء ورحمة قلوبهم بالدرجة الأولى. إذن نستخلص بأن التدين الحقيقي لا يعني العبادات والطقوس أكثر مما يعني أن نتلو لغة الله الموجودة منذ الأزل، والتي تقول بأننا أخوة في الوجود، وكل له دور موجود. يلح السؤال ويبحث عن اجابة: الله قريب منك، فهل أنت قريب منه؟ هناك نوعين من الآلهة، إله الكون الذي لا يتبدل ولا يتغير ولا يتحول، الثابت على الصراط المستقيم، وهناك إله الشريعه الذي يتغير ويتبدل حسب الظروف. الإله الأول هو من ينتظر منك أن تفتح الباب له، بينما الإله الثاني فلا يحتاج منك أن تفتح الباب لأنه موجود في الكتب الدينية والشروحات الفقهية واللاهوتية.. الإله الاول هو الإله الأصلي الطبيعي الخالق للكون المشار له بنور السماوات والأرض، بينما الإله الثاني فهو انعكاس لأفكار ومزاج الانسان في الكتب، ففي اليهودية قالوا عنه إن يده مغلوله، وفي المسيحية قالوا بأنه محبة يفدي بابنه الوحيد من أجل محبته للبشرية، وفي الاسلام قالوا إنه رحيم.. وهكذا يتلون إله الشريعه بألوان البشر وطبائعهم.. والديانات الجديدة بعد الاسلام أيضا تصف الله حسب حاجة المجتمع له. يقول جبران خليل جبران: "من يدري اذا لم تكن الملائكة أفكارنا السامية في الفضاء والشياطين كلماتنا في الكتب؟"4 حينما تقترب جدا من إله الكتب، فأنت تبتعد عن إله الكون، إله الكون لا كتاب له لأن كتابه الذي لا يتغير هو الكون ذاته، فهل يمكنك ان تفتح الباب له؟ أم أن منزلك لا يسع أن يستقبل الله؟ إله الكون قريب جدا، ولشدة قربه لا يلمحه أحد، الكرة الأرضية قريبة جدا، ولا نستطيع أن نلمحها إلا اذا ابتعدنا عنها. السمكة كانت تبحث عن الماء، ولم تصدق أن الماء قريب منها يحيط بها، الا بعدما خرجت من الماء.. نظرت إلى الماء ثم ماتت. الأمر الواضح لن يراه أحد. 28/4/2015
3-سورة الاعراف 189 4-جبران خليل جبران، رمل وزبد.
| |||||||||
| |||||||||
